الصحافة

"غصّة" عدم زيارة البابا فرنسيس بيروت... هذه خفاياها

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فيما كان الحزن الذي لفّ العالم يعبّر عن التأثير العابر للأديان والطوائف والقارات الذي حَفَرَه البابا فرنسيس على امتداد حبريته التي طَبَعها بمدّ الجسور عبر رابط «الأخوة الإنسانية»، فإن حصةَ لبنان من هذا الحزن جاءت بحجم الدور التاريخي والراسخ للكرسي الرسولي في احتضانِ «الوطن الرسالة» والدفْع بأبنائه، وخصوصاً المسيحيين، نحو بناء «مستقبلٍ مَعا» على قاعدة «ان المستقبل سيكون سِلمياً فقط إذا كان... مُشْتَرَكا».

وفي الوقت الذي أعلن لبنان الحدادَ الرسمي على وفاة البابا لمدة 3 أيام (حتى الغد مع تنكيس الأعلام في المقرات الرسمية)، فإن المواقفَ الرئاسية والسياسية والحزبية من مختلف الطوائف والأطياف عَكَسَتْ «التعلّقَ» المتبادَل بين «بلاد الأرز» والفاتيكان الذي خصّ الوطن الصغير بسينودسٍ خاص أفضى إلى صدور الإرشاد الرسولي «رجاء جديد للبنان» الذي حَمَله معه الى بيروت البابا الراحل يوحنا بولس الثاني (إبان زيارته في 1997) بما تضمّنه من توصياتٍ كرّست أن رعاية الكرسي الرسولي لـ «لبنان الأكثر من وطن إنه رسالة» لا تنطلق فقط من الوجود المسيحي فيه إنما من أهمية العيش المشترك الإسلامي – المسيحي، واكتسبتْ أهميتها المضاعَفة كونها شكّلت «قطرة ضوء» وجاءت في زمن الوصاية السورية وكمّ الأفواه وكتْم الأصوات ولِما انطوتْ عليه من دفاع عن الحريات وكرامة الإنسان واحترام ثقافة ومعتقدات الجميع الدينية والسياسية.

وبين سطور المواقف التي نعت وقدّمت التعزية برحيل رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، ارتسمت كل مراحل «العناية الفاتيكانية» التي لم تنقطع بلبنان «التجربة» و«الفكرة»، والتي أريد تعميمها في المنطقة وفق ما عبّر عنه الارشاد الرسولي الثاني والذي وقّعه البابا بنديكتوس السادس عشر خلال زيارته لبيروت العام 2012 تحت شعار «شركة شهادة» وقدّم خريطة طريق لمسيحيي الشرق لحفظ وجودهم ودورهم فيه وتَفاعُلهم مع المسلمين وصولاً لدعوة المشرقيين إلى «العيش معاً» على قاعدة ثقافة قبول الآخر والاحترام المتبادل، والعمل على صون العدالة الاجتماعية وارساء السلام والحريّة، وهو المسار الذي تُوَّج في 2019 بالحدَث التاريخي الذي شكّله توقيع البابا فرنسيس في الإمارات العربية المتحدة «وثيقة الأخوة الإنسانية» (من أجل السلام العالمي والعيش المشترك) مع شيخ الأزهر الشريف الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب والتي شكّلت واحدة من أهم الوثائق في تاريخ العلاقة بين الإسلام والمسيحية.

وإذا كانت قِصَّةُ العلاقة بين لبنان والفاتيكان من عمر الوطن الصغير والوجود المسيحي فيه، فإن 12 عاماً من حبرية البابا فرنسيس طبعتْها «غَصّة» عدم زيارته لبيروت رغم 8 محطاتٍ ما فوق عادية حَمَلَتْه إلى دولٍ عربية بين 2014 و2022 (كان آخِرها البحرين)، بعدما تحوّلت «بلاد الأرز» بواقعها السياسي المزري والجاذب للتجاذبات والحسابات الأضيق «طاردةً» حتى لمحطة بحجم موعد مع البابا كان مفترَضاً في 12 و13 حزيران 2022 ولكن تم إرجاؤه تحت عنوان ظاهريّ هو «أسباب صحية» ولكن خفايا هذا التأجيل تداخلت فيها:

- «أخطاء بروتوكولية» من القصر الرئاسي حينها (ابان عهد الرئيس السابق ميشال عون) الذي أعلن عن الزيارة - وكانت بعد في طور التحضير - قبل أن يتولى الكرسي الرسولي الكشف عنها.

- خلفيات سياسية تتعلق بالوضع اللبناني، وخصوصاً أن التوقيتَ تزامن مع وجودِ حكومة تصريف أعمال (عقب الانتخابات النيابية) والعدّ التنازلي للانتخابات الرئاسية، ناهيك عن نصائح أعطيت للفاتيكان بتفادي تفسير الزيارة على أنها في إطار «تغطيةٍ» من أي نوعٍ لأطراف لبنانيين يلعبون أدواراً إقليمية وذلك انطلاقاً من تفاهمات نسجوها مع فريق رئيس الجمهورية (التيار الوطني الحر)، أو الانزلاق الى تورط مع جهات سياسية ضد أخرى، ولا سيما في ظلّ الاصطفاف الذي كان في أشدّه، ومازال، حيال «حزب الله» وسلاحه.

ومن خلف الحزن الطاغي على الوسط السياسي في بيروت، قلّب اللبنانيون صفحات بارزة من دفاتر علاقة البابا فرنسيس بالوطن الصغير الذي لطالما أعلن أنه في «قلبه»، منذ كارثة الانفجار الهيروشيمي في مرفأ العاصمة في 4 آب 2020 إلى الحرب المدمرة التي عاشها غداة طوفان الأقصى ولم تتوقف حتى الساعة، وإن كانت اتخذت شكلاً أكثر «موْضعية» من جانب إسرائيل.

وإذا كان البابا الراحل خصّ لبنان بأكثر من يوم صلاة وصوم دعا إليه، بينها (على مستوى العالم) لمناسبة مرور شهر على انفجار المرفأ حيث حرص عشية هذه المحطة على تقبيل العلم اللبناني في ساحة القديس بطرس، وأخرى في تموز 2021 حين قال «كَفَى اسْتِخْدامُ لبنانَ والشَّرْقِ الأوْسَط لِمَصالِحَ وَمَكاسِبَ خارجِيَّة. يَجِبُ إعْطاءُ اللبنانِيِّينَ الفُرْصَةَ لِيَكُونوا بُناةَ مُسْتَقْبَلٍ أفْضَل، علَى أرْضِهِم وَبِدونِ تَدَخُّلاتٍ لا تَجُوز»، فإن «بلاد الأرز» لم تغب عن آخر إطلالة وكلمة له أول من أمس في عيد الفصح حيث قال من شرفة كاتدرائية القديس بطرس «لنصلّ من أجل الجماعات المسيحية في لبنان وسورية التي تتوق إلى الاستقرار والمشاركة في مصير بلادها».

وفي الوقت الذي كان لبنان وعبر البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي واكب انتخاب البابا فرنسيس، بصفته أول عربي وماروني في العصور الحديثة يشارك في المجمع المغلق لعام 2013، فإن الراعي سيغيب هذه المرة، كونه تجاوز عمر الثمانين، علماً أنه تعثّر خلال ترؤسه قداس الفصح أول من أمس ما تسبب بكسر في وركه استدعى خضوعه لعملية جراحية تكللت بالنجاح.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا